* ليلة التسويقة في منطقة صنهاجة الشمس .

حكاية كريم الفرابي :


ليلة الاربعاء بصنهاجة والنواحي ليست كباقي الليالي  
تنطلق الفرحة بالبيوت منذ عودة ابي من السوق عصر الاربعاء , حيث ناخذ منه هدايا السوق من زريعة وكاوكاو وحلوى والفنيد .... وكانت امي واخواتي يزدن عنا نحن الذكور بقطع المسكة لانها كانت خصيصا لهن .....
بعد تلقي هذايا التسويقة تنطلق اخواتي كالنحلات في ربوع البيت للإعداد ليلة التسويقة .... 
زهرة : تغسل السمك وتحضر التشرميلة ، كم احن لتلك التشرميلة التي كنت اساوم اختي في إعطاء القليل منها اصبه بين دفتي قطعة خبز  وانطلق الى ساحة القرية للتباهي بقطع الحلوى بين الاقران ...
فطيطم : كانت تتكلف بتهييىء الغرفةمن كنس وإعداد الافرشة والصينية والبراد والكؤووس وتوزيع الكاز على اللمبات المتواجدة بالدار مع العمل على تخزين ما بقي منه بعيدا عنا نحن الصغار ...
اختى الكبيرة مريم : او أمي الثانية كانت سيدة البيت بعد امي الغالية كانت تتكفل بإعداد الخبز الشهي ووجبة العشاء وذلك تحت انظار مريم وفطيطم وتعليمات أمي ..
ها هو الظلام يسدل خيوطه على قريتي الحبيبة واطفال القرية يغادرون الساحة مبكرا عكس الليالي الاخرى ...
ها انا قرب البيت اشم رائحة قهوة الكتبية تعطر جنبات البيت , اختي في الكانون تقلي سمك السردين لمرافقة شرب القهوة والشاي

ها انا قرب البيت اشم رائحة قهوة الكتبية تعطر جنبات البيت , اختي في الكانون تقلي سمك السردين لمرافقة شرب القهوة والشاي .....
ليلة الاربعاء لها طعم خاص بالمنطقة , كل نساء البلدة تحرصن على ان يكون خبز الليلة شهيا وطريا ومن الدقيق الممتاز ...
ها هي امي الحبيبة تأمر اختي الكبيرة بمسح اللمبة الكبيرة (اللمبة د فرنسا) واعدادها نزولا عند رغبة والدي الذي تكلف بتقديم العلف لدوابنا وإغلاق الابواب ...
نحن الان في غرفتنا الكبيرة (وهي الغرفة الوحيدة المسقفة بالزنك والتي نسيمها بيت الضياف) صرنا نعرف ان الليلة ستكون كبيرة وزينة كلما راينا بابها الجميل يفتح واخواتي تتسابق على تو ضيبها بعناية فائقة من كنس ومسح لنوافذها وصينيتها الخاصة وكؤوسها المزركشة المكتوب عليها : اهلا وسهلا , وآنية غسل اليدين (الشلال - الطاس ويدو ).....
كلشي جاهز هتفت اختي الكبيرة معلنة بداية ليلة لا كالليالي الاخريات..... ابي يقوم بشعل اللمبة الكبيرة في نخوة وكنا نحن الصغار نتحلق حوله لنرى ذاك العجب الذي كان يبهرنا وخاصة فتيلة اللمبة التي كانت تسحرنا ونهيم في اسئلة لا حدود لها كيف لخيوط قليلة تشع البيت نورا وضياء يضاهي الشمس في ضيائها .....
ونحن نصعد الدروج الموصلة للغرفة الكبيرة كنا نلقي نظرة على بيوت الجيران والاحباب والتي كانت هي بدورها اقمارا ساطعة تلك الليلة وكنا نعدها : (الدار د عمي الجيلالي ودخالي بوشتى ودعمتي راضية و.... و... و ....)

لتسويقة
ها نحن نلج الغرفة بنظام وانتظام .....
اختي الكبيرة كانت تسبقنا الى الغرفة لتعليق المصباح في سلك مدلى وسطها ( وبيني وبينكم اختي طويلة كنا نناديها بالسلوم ههههه هي لا تحتاج لواسطة كي تلحق سقف الغرفة )....
غالبا ما كانت سهرتنا تبدا باعداد كؤوس الشاي من طرف الوالد الذي يتقنه، بينما نحن نتحلق حول المائدة التي صففت عليها بعض حبات الحلوى (فقاس+ غريبة) كما كان الوالد يفاجئنا باخراج ما تيسر من الفول السوداني (كاوكاو) من قبه جلبابه فنتسابق لاخذ اكبر كمية منه، فتتدخل الوالدة وتنهرنا ثم تقسمه علينابالتساوي وتطلب من الوالد ان يشتري في التسويقة المقبلة لكل واحد منا حقه في كاغيط خاص به .....
" عنداك تفوتنا الخطبة والطقس قربولي المسجلة " هذا أبي يأمر أمي التي تأمر هي بدورها أختي " جيبي ديك المشقوفة الله يرضي عليك يا بنتي " ....عند الاخبار تتوقف الحركة في البيت ويأمرنا الوالد بالسكوت حتى يتابع الاخبار والطقس . كانت لهذه الفترة طعم خاص بها حيث كان ابي يشد انتباهنا اليه فكان من الفينة الى اخرى يردد عبارات تشويقية وكانه ينقل الحدث مباشرة: (أ السلامة ...السلامة ... يا لطيف للحروب والحوادث والكوارث) ( الله يرحمنا ... والله يعطيهنا قد النفع ... اثناء النشرات الجوية ..)
كانت الانطلاقة الفعلية لسهرتنا بعد نهاية الاخبار ’ حيث يشرع ابي في سرد وقائع السوق وكنا نتابع هذا السرد ونتخيل انفسنا في رحبات السوق العامرة , واحسن رحبة كنا نتشوق لسماع اخبارها , رحبة بيع اللحم ( الكرنة +والجزارين) اتدرون لماذا وما السبب ؟؟ . كان أبي يبدأ سرد وقائع هذه الرحبة بجملة يمزح فيها مع الوالدة :
" أ جيوا تسمعوا اش وقع في الرحبة د اخوالكم " : امي من تيزغوان ورحبة اللحم جل البائعين فيها من قرية تيزغوان .......
"جيبوا العشا أ البنات راها 10 والدراري جاهم النعاس " تتفرق أخواتي الثلاث في الغرفة ولكل واحدة منهن مهمة خاصة بها وفي دقائق معدودة يتم صف المائدة بما لذ وطاب من الخيرات (ما شهيتكم احبتي ) ...........
وبعد تناول العشاء (وجمع الطبلة) كان الوالد يفاجئنا بإخراج شريط غنائي من قبه و بطاريات جديدة للمسجلة (حجر د الراديو ) ويدعونا للفراجة ... ويستمر السمر ... وننام ولا نعرف متى نمنا .............
........................ دامت لكم الافراح والمسرات احبتي ...............



تعليق : Karim El Farabi‎

تعليق :

Mohamed Mesbahi
غوص في عمق واقعنا المحلي بتفاصيله و حس ادبى مرهف يرسم اجواء عشية يوم الاربعاء يوم السوق الاسبوعي بعين مديونة من داخل اسرة ما باسلوب رائع اهنئك اخي كريم الفرابي على هذه المحاولة الادبية الرائدة محليا وشكرا لك
Senhaji Senhaji
كان أبي يشتري لنا الحلوى (فانيد ديال الماكنة 7 حبات بريال واحد، وكان يفرقها بيننا نحن الإخوة، ويعم الفرح بين أفراد الأسرة، وحلوى أخرى معجونة على شكل أفعى، كان يصنعها أحد الأشخاص من بني قرة رحمه الله، وكان يخيفنا بها ثم في الأخير يقسمها في بيننا ونأكلها. ولا زالت بعين مديونة حاليا يوم الأربعاء يوم "النفقة" وبناء على شهادة أحد الأصدقاء، مساء الأربعاء المركز يكاد يكون شبه خاليا من تجمهر الناس، حيث ليلة
ذاكرة النسيان
قصة قصيرة طريفة وممتعة ترصد الواقع المعاش.أحسنت